ي أحد البقاع النائية التي فقدت الاتصال بمن حولها من الأممِ
كانت تقعُ تلك المملكة في معزلٍ عن العالم ..
فقد أهلها الثقافة والمعرفة .. وتسلط عليهم ملك قوي الشخصية .
. كانوا له أطوع من الظل لأحدنا ..
عاش الملك في عافية حتى أُصيب بمرضٍ خطير .
. قرَّر أطباء مملكته على أثره ضرورة قطع أنفه حفاظًا على حياته
.. ولم يجد الملك بدٌ من ذلك
.. وبالفعل أجريت له عملية القطع
وبعد أن عوفي من جرحه بدأ يزاول أعماله مرة أخرى
.. فعقد اجتماع لوزرائه ليستطلع آخر الأخبار .. فما أن رأوه حتى ضج المجلس بالضحك من منظر وجهه مجدوع الأنف ..
استشاط الملك غضبًا .. ودعا رئيس الجند وفي قرار انفعالي أمر بقطع أنوف جميع وزراءه على الفور
وبالفعل نُفِّذَ القرار
.. ويا له من منظر
وبعد فترة عاد الوزراء إلى أعمالهم فسخر منهم الجند ومقربيهم .. فهيجوا عليهم الملك فأمر الملك بقطع أنوف جميع الجند والشرطة
كثرت سخرية الشعب من جميع أولئك .. حتى أصبحوا مسار تندر وتفكه
.. فنما هذا الأمر إلى الملك فأخذ قراره الخطير ..
فأمر بقطع أنوف جميع الشعب .. وأصبح لزامًا على كل قابلةٍ أن تقطع أنف المولود كما تقطع حبله السُّرِّي .. وبعد أجيال متعاقبة نسي الجميع تلك القصة .. وأصبح كون الإنسان بلا أنف هذا هو الطبيعي التي تشمئز القلوب من غيره ..
ومكثت تلك المملكة عقودًا لم ترى فيها إنسان بأنف .
. حتى ذلك اليوم المشهود .. فقد ضل أحد الناس طريقه في البحر فوجد نفسه على شواطئ تلك المملكة العجيبة
فهاله ما رأى .. وهالهم ما رأوا .
. وتعجب الناس من منظر أنفه أشد العجب .. وأخذوا يتأملوا في هذا الشيء الذي يبرز من وجهه .. وسخروا منه سخرية كبيرة .
. ودعوه للتخلص من هذا الشيء المقزز ..
ما أشبه حالنا بحال تلك المملكة
عاش الناس أزمانًا .. الرجال تزينهم اللحى ، والنساء يسترهم الحياء ، لا فحش ولا تفحش لا ربا ولا تحاكم لغير شرع الله ..
ثم أخذ الحال في التبدل شيئًا فشيئًا ..
حتى أصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا
وعندما قام أناس وأرادوا أن يعيدوا الأمر إلى نِصابه
.. سُخر منهم أشد السخرية .
. وتعجب الناس من أحوالهم .
. وراودوهم ليتخلصوا من أشرف ما في الكون :
الاستسلام لرب العالمين !! ..
لا تجدع أنفك ؛ وإن جدع الناس أنوفهم ..